( قواطع السفر )
إذا تحقّق السفر واجداً للشروط الثمانية المتقدّمة بقي المسافر على تقصيره في الصلاة ما لم يتحقّق أحد الأمور (القواطع) الآتية:
(الأول: المرور بالوطن) فإنّ المسافر إذا مرّ به في سفره ونزل فيه وجب عليه الإتمام ما لم ينشئ سفراً جديداً ، وأما المرور اجتيازاً من غير نزول ففي كونه قاطعاً إشكال ــ فالأحوط وجوباً ــ أن يجمع بعده بين القصر والتمام ما لم يكن قاصداً للمسافة ولو بالتلفيق مع ما يطويه في الرجوع.
والمقصود بالوطن أحد المواضع الثلاثة:
۱ ــ مقرّه الأصلي الذي ينسب إليه ، ويكون مسكن أبويه ومسقط رأسه عادة.
۲ ــ المكان الذي اتخذه مقرًّا ومسكناً دائمياً لنفسه بحيث يريد أن يبقى فيه بقية عمره.
۳ ــ المكان الذي اتخذه مقرًّا لفترة طويلة بحيث لا يصدق عليه أنه مسافر فيه ، ويراه العرف مقرًّا له حتى إذا اتخذ مسكناً مؤقّتاً في مكان آخر لمدّة عشرة أيام أو نحوها، كما لو أراد السكنى في مكان سنة ونصف السنة أو أكثر فإنه يلحقه حكم الوطن بعد شهر من إقامته فيه بالنية المذكورة وأما قبله فيحتاط بالجمع بين القصر والتمام.
ثم إنه لا فرق في الوطن الاتخاذي (القسمين الأخيرين) بين أن يكون ذلك بالاستقلال ، أو يكون بتبعية شخص آخر من زوج أو غيره ، ولا تعتبر إباحة المسكن في أي من الأقسام الثلاثة ويزول عنوان الوطن فيها بالخروج معرضاً عن سكنى ذلك المكان.
وقد ذكر بعض الفقهاء نحواً آخر من الوطن يسمى بالوطن الشرعي ويقصد به المكان الذي يملك فيه منزلاً قد أقام فيه ستة أشهر متصلة عن قصد ونية ، ولكن لم يثبت عندنا هذا النحو.
ثم إنه يمكن أن يتعدّد الوطن الاتخاذي وذلك كأن يتّخذ الإنسان على النحو المذكور مساكن لنفسه يسكن أحدها ــ مثلاً ــ أربعة أشهر أيام الحرّ ، ويسكن ثانيها أربعة أشهر أيام البرد ويسكن الثالث باقي السنة.
(الثاني: قصد الإقامة في مكان معيّن عشرة أيام) وبذلك ينقطع حكم السفر ويجب عليه التمام ، ونعني بقصد الإقامة اطمئنان المسافر بإقامته في مكان معيّن عشرة أيام ، سواء أكانت الإقامة اختيارية ، أم كانت اضطرارية أم إكراهية ، فلو حبس المسافر في مكان وعلم أنه يبقى فيه عشرة أيام وجب عليه الإتمام ، ولو عزم على إقامة عشرة أيام ولكنه لم يطمئنّ بتحقّقه في الخارج بأن احتمل سفره قبل إتمام إقامته لأمر ما وجب عليه التقصير وإن اتفق أنه أقام عشرة أيام.
( مسألة ٤۱۹ ) : من تابع غيره في السفر والإقامة كالزوجة والخادم ونحوهما إن اعتقد أنّ متبوعه لم يقصد الإقامة ، أو أنه شكّ في ذلك قصّر في صلاته ، فإذا انكشف له أثناء الإقامة أنّ متبوعه كان قاصداً لها من أول الأمر بقي على تقصيره ، إلاّ إذا علم أنه يقيم بعد ذلك عشرة أيام ، وكذلك الحكم في عكس ذلك فإذا اعتقد التابع أنّ متبوعه قصد الإقامة فأتمّ ثم انكشف أنه لم يكن قاصداً لها فالتابع يتمّ صلاته حتى يسافر.
( مسألة ٤۲٠ ) : إذا قصد المسافر الإقامة في بلد مدة محدّدة وشكّ في أنها تبلغ عشرة أيام أم لا كان حكمه القصر ، وإن تبيّن بعد ذلك أنها تبلغ العشرة ، مثال ذلك: ما إذا دخل المسافر بلدة النجف المقدسة في اليوم الحادي والعشرين من شهر رمضان عازماً على الإقامة إلى يوم العيد ولكنه شكّ في نقصان الشهر وتمامه فلم يدرِ أنه يقيم فيها تسعة أيام ، أو عشرة قصّر في صلاته وإن اتفق أنّ الشهر لم ينقص ، وهكذا الحال فيما إذا تخيّل أنّ ما قصده لا يبلغ عشرة أيام ثم انكشف خطؤه ، كما إذا دخل النجف ــ في المثال المذكور ــ في اليوم الرابع عشر من الشهر وعزم على الإقامة إلى نهاية ليالي القدر معتقداً أنّ اليوم الذي دخل فيه هو اليوم الخامس عشر وأنّ مدة إقامته تبلغ تسعة أيام فإنه يقصّر في صلاته وإن انكشف له بعد ذلك أنّ دخوله كان في اليوم الرابع عشر منه.
( مسألة ٤۲۱ ) : لا يعتبر في قصد الإقامة وجوب الصلاة على المسافر ، فالصبي المسافر إذا قصد الإقامة في بلد وبلغ أثناء إقامته أتمّ صلاته وإن لم يقم بعد بلوغه عشرة أيام ، وكذلك الحال في الحائض أو النفساء إذا طهرت أثناء إقامتها.
( مسألة ٤۲۲ ) : إذا قصد الإقامة في بلد ثم عدل عن قصده ففيه صور:
(۱) أن يكون عدوله بعدما صلّى صلاة أدائية تماماً ، ففي هذه الصورة يبقى على حكم التمام ما بقي في ذلك البلد.
(۲) أن يكون عدوله قبل أن يصلّيها تماماً ، ففي هذه الصورة يجب عليه التقصير.
(۳) أن يكون عدوله أثناء ما يصلّيها تماماً ، ففي هذه الصورة يعدل بها إلى القصر ما لم يدخل في ركوع الركعة الثالثة ويتمّ صلاته ــ والأحوط الأولى ــ أن يعيدها بعد ذلك ، وإذا كان العدول بعدما دخل في ركوع الثالثة بطلت صلاته على ــ الأحوط لزوماً ــ ولزمه استئنافها قصراً.
( مسألة ٤۲۳ ) : لا يعتبر في قصد الإقامة أن لا ينوي الخروج من محل الإقامة ، فلا بأس بأن يقصد الخروج لتشييع جنازة أو لزيارة قبور المؤمنين أو للتفرج وغير ذلك ما لم يبلغ حدّ المسافة ولو ملفّقة ولم تطل مدة خروجه بمقدار ينافي صدق الإقامة في البلد عرفاً.
( مسألة ٤۲٤ ) : إذا نوى الخروج أثناء إقامته تمام النهار ، أو ما يقارب تمامه فلا إشكال في عدم تحقّق قصد الإقامة ووجوب التقصير عليه وكذا لو نوى الخروج تمام الليل ، وأما لو نوى الخروج نصف النهار والرجوع ولو ساعة بعد دخول الليل فهو لا ينافي قصد الإقامة ما لم يتكرر بحدٍّ تصدق معه الإقامة في أزيد من مكان واحد.
( مسألة ٤۲٥ ) : يشترط التوالي في الأيام العشرة ، ولا عبرة بالليلة الأولى والأخيرة ، فلو قصد المسافر إقامة عشرة أيام كاملة مع الليالي المتوسطة بينها وجب عليه الإتمام ، والظاهر كفاية التلفيق أيضاً ، بأن يقصد الإقامة من زوال يوم الدخول إلى زوال اليوم الحادي عشر مثلاً.
( مسألة ٤۲٦ ) : إذا قصد إقامة عشرة أيام في بلد وأقام فيها أو أنه صلّى تماماً ، ثم عزم على الخروج إلى ما دون المسافة ففي ذلك صور:
(۱) أن يكون عازماً على الإقامة عشرة أيام بعد رجوعه ، ففي هذه الصورة يجب عليه الإتمام في ذهابه وإيابه ومقصده.
(۲) أن يكون عازماً على الإقامة أقل من عشرة أيام بعد رجوعه ، ففي هذه الصورة يجب عليه الإتمام أيضاً في الإياب والذهاب والمقصد.
(۳) أن لا يكون قاصداً للرجوع وكان ناوياً للسفر من مقصده ، ففي هذه الصورة يجب عليه التقصير من حين خروجه من بلد الإقامة.
(٤) أن يكون ناوياً للسفر من مقصده ، ولكنه يرجع فيقع محلّ إقامته في طريقه ، وحكمه في هذه الصورة وجوب القصر أيضاً في الذهاب والمقصد ومحلّ الإقامة.
(٥) أن يغفل عن رجوعه وسفره ، أو يتردّد في ذلك فلا يدري أنه يسافر من مقصده أو يرجع إلى محلّ الإقامة ، وعلى تقدير رجوعه لا يدري بإقامته فيه وعدمها ففي هذه الصورة يجب عليه الإتمام ما لم ينشئ سفراً جديداً.
(الثالث): بقاء المسافر في محلّ خاصّ ثلاثين يوماً ، فإذا دخل المسافر بلدة اعتقد أنه لا يقيم فيها عشرة أيام ، أو تردّد في ذلك ولكنه بقي فيها حتى تمّ له ثلاثون يوماً وجب عليه الإتمام بعد ذلك ما لم ينشئ سفراً جديداً ، والظاهر كفاية التلفيق هنا كما تقدّم في إقامة عشرة أيام ، ولا يكفي البقاء في أمكنة متعدّدة ، فلو بقي المسافر في بلدين كالكوفة والنجف ثلاثين يوماً لم يترتّب عليه حكم الإتمام.
( مسألة ٤۲۷ ) : لا يضرّ الخروج من البلد لغرض ما أثناء البقاء ثلاثين يوماً بمقدار لا ينافي صدق البقاء في ذلك البلد ــ كما تقدّم في إقامة عشرة أيام ــ وإذا تمّ له ثلاثون يوماً وأراد الخروج إلى ما دون المسافة فالحكم فيه كما ذكرناه في المسألة السابقة ، والصور المذكورة هناك جارية هنا أيضاً.