(صلاة المسافر )
يجب على المسافر التقصير في الصلوات الرباعية ، وهو أن يقتصر على الركعتين الأوليين ويسلّم في الثانية ، وللتقصير شروط:
(الشرط الأول) : قصد المسافة ، بمعنى إحراز قطعها ولو من غير إرادة ، فإذا خرج غير قاصد للمسافة لطلب ضالّة أو غريم ونحوه لم يقصّر في ذهابه ، وإن كان المجموع مسافة أو أزيد ، نعم إذا قصد المسافة بعد ذلك ــ ولو بالتلفيق مع مسافة الرجوع ــ لزمه التقصير من حين الشروع فيها ، وهكذا الحكم في النائم والمغمى عليه إذا سوفر بهما من غير سبق التفات.
والمسافة هي ثمانية فراسخ ، والفرسخ ثلاثة أميال ، والميل أربعة آلاف ذراع بذراع إنسان عادي ، وعليه فالمسافة تتحقّق بما يقارب (٤٤) كيلومتراً.
( مسألة ۳۹٤ ) : يتحقّق طيّ المسافة بأنحاء:
(۱) أن يسير ثمانية فراسخ مستقيماً.
(۲) أن يسيرها غير مستقيم ، بأن يكون سيره في دائرة أو خطّ منكسر.
(۳) أن يسير أربعة فراسخ ويرجع مثلها ، وفي حكمه ما إذا كان الذهاب أو الرجوع أقل من أربعة فراسخ إذا بلغ مجموعهما ثمانية فراسخ ، وإن كان ــ الأحوط الأولى ــ في ذلك الجمع بين القصر والتمام.
( مسألة ۳۹٥ ) : لا يعتبر في المسافة الملفقة أن يكون الذهاب والإياب في يوم واحد ، فلو سافر أربعة فراسخ قاصداً الرجوع وجب عليه التقصير ما لم تحصل الإقامة القاطعة للسفر ولا غيرها من قواطعه ، وإن كان ــ الأحوط استحباباً ــ في غير ما قصد الرجوع ليومه الجمع بين القصر والإتمام.
( مسألة ۳۹٦ ) : تثبت المسافة بالعلم ، وبشهادة عدلين ، وبالاطمئنان الحاصل من المبادئ العقلائية كالشياع ، وخبر العادل الواحد ، أو مطلق الثقة ونحو ذلك ، وإذا لم تثبت المسافة بشيء من هذه الطرق وجب التمام.
( مسألة ۳۹۷ ) : إذا قصد المسافر محلاً خاصاً واعتقد أنّ مسيره لا يبلغ المسافة ، أو أنه شكّ في ذلك فأتمّ صلاته ثم انكشف أنه كان مسافة أعادها قصراً فيما إذا بقي الوقت ، ووجب عليه التقصير فيما بقي من سفره ، وإذا اعتقد أنه مسافة فقصّر صلاته ثم انكشف خلافه أعادها تماماً ، سواء كان الانكشاف في الوقت ، أم في خارجه ويتمّها فيما بقي من سفره ما لم ينشئ سفراً جديداً.
( مسألة ۳۹۸ ) : تحتسب المسافة من الموضع الذي يعدّ الشخص بعد تجاوزه مسافراً عرفاً وهو آخر البلد غالباً ، وربما يكون آخر الحي ، أو المحلة في بعض البلاد الكبيرة جداً.
( مسألة ۳۹۹ ) : إذا قصد الصبي مسافة ثم بلغ أثناءها قصّر في صلاته وإن كان الباقي من سفره لا يبلغ المسافة.
( مسألة ٤٠٠ ) : لا يعتبر الاستقلال في قصد المسافة ، فمن سافر بتبع غيره
ــ باختيار أو بإكراه ــ من زوج أو والد أو غيرهما وجب عليه التقصير إذا علم أنّ مسيره ثمانية فراسخ ، وإذا شكّ في ذلك لزمه الإتمام ولا يجب الاستعلام وإن تمكن منه.
( مسألة ٤٠۱ ) : إذا اعتقد التابع أنّ مسيره لا يبلغ ثمانية فراسخ ، أو أنه شكّ في ذلك فأتمّ صلاته ، ثم انكشف خلافه لم تجب عليه الإعادة ويجب عليه التقصير إذا كان الباقي بنفسه مسافة وإلاّ لزمه الإتمام ، نعم إذا كان قاصداً محلاً خاصاً معتقداً أنه لا يبلغ المسافة ثم انكشف الخلاف جرى عليه حكم غيره المتقدّم في المسألة (۳۹۷).
(الشرط الثاني) : استمرار القصد ولو حكماً ، بمعنى أنه لا ينافيه إلاّ العدول عنه أو التردّد فيه ، فلو قصد المسافة وعدل عنه ، أو تردّد قبل بلوغ الأربعة أتمّ صلاته ، نعم إذا كان عازماً على الرجوع وكان ما سبق منه قبل العدول مع ما يقطعه في الرجوع بمقدار المسافة بقي على تقصيره.
( مسألة ٤٠۲ ) : إذا سافر قاصداً للمسافة فعدل عنه ثم بدا له في السفر ففي ذلك صورتان:
(۱) أن يبلغ الباقي من سفره مقدار المسافة ولو كان بضميمة الرجوع إليه ، ففي هذه الصورة يتعيّن عليه التقصير.
(۲) أن لا يكون الباقي مسافة ولكنه يبلغها بضمّ مسيره الأول إليه ، ولا يبعد وجوب القصر في هذه الصورة أيضاً وإن كان ــ الأحوط استحباباً ــ أن يجمع بينه وبين الإتمام.
( مسألة ٤٠۳ ) : إذا قصد المسافة وصلّى قصراً ثم عدل عن سفره ــ فالأحوط لزوماً ــ أن يعيدها أو يقضيها تماماً.
( مسألة ٤٠٤ ) : لا يعتبر في قصد المسافة أن يقصد المسافر موضعاً معيّناً ، فلو سافر قاصداً ثمانية فراسخ متردّداً في مقصده وجب عليه التقصير ، وكذلك الحال فيما إذا قصد موضعاً خاصاً وعدل في الطريق إلى موضع آخر وكان المسير إلى كل منهما مسافة.
( مسألة ٤٠٥ ) : لو عدل من المسير في المسافة الامتدادية إلى المسير في المسافة التلفيقية أو بالعكس بقي على التقصير.
(الشرط الثالث) : أن لا يتحقّق أثناء المسافة شيء من قواطع السفر: ( المرور بالوطن على ما سيجيء ، قصد الإقامة عشرة أيام ، التوقف ثلاثين يوماً في محل متردّداً وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى) فلو خرج قاصداً طيّ المسافة الامتدادية ، أو التلفيقية وعلم أنه يمرّ بوطنه وينزل فيه أثناء المسافة ، أو أنه يقيم أثناءها عشرة أيام لم يشرع له التقصير من الأول ، وكذلك الحال فيما إذا خرج قاصداً المسافة واحتمل أنه يمرّ بوطنه وينزل فيه ، أو يقيم عشرة أيام أثناء المسافة ، أو أنه يبقى أثناءها في محل ثلاثين يوماً متردّداً فإنه في جميع ذلك يتمّ صلاته من أوّل سفره ، نعم إذا اطمأنّ من نفسه أنه لا يتحقّق شيء من ذلك قصّر صلاته وإن احتمل تحقّقه ضعيفاً.
( مسألة ٤٠٦ ) : إذا خرج قاصداً المسافة واتفق أنه مرّ بوطنه ونزل فيه أو قصد إقامة عشرة أيام ، أو أقام ثلاثين يوماً متردّداً ، أو أنه احتمل شيئاً من ذلك أثناء المسافة احتمالاً لا يطمئنّ بخلافه ، ففي جميع هذه الصور يتمّ صلاته ، وما صلاّه قبل ذلك قصراً يعيده أو يقضيه تماماً على ــ الأحوط وجوباً ــ ولا بدّ في التقصير بعد ذلك من إنشاء السفر لمسافة جديدة وإلاّ أتمّ فيما بقي من سفره أيضاً.
نعم في الصورة الأخيرة إذا عزم على المضي في سفره ــ بعد أن احتمل قطعه ببعض القواطع ــ يجري عليه ما تقدّم في المسألة (٤٠۲).
(الشرط الرابع) : أن يكون سفره سائغاً ، فإن كان السفر بنفسه حراماً ، أو قصد الحرام بسفره أتمّ صلاته ، ومن هذا القبيل ما إذا سافر قاصداً به ترك واجب كسفر الغريم فراراً من أداء دينه مع وجوبه عليه ، ومثله السفر في السيارة المغصوبة إذا قصد الفرار بها عن المالك ، ويدخل فيه أيضاً السفر في الأرض المغصوبة.
( مسألة ٤٠۷ ) : العاصي بسفره يجب عليه التقصير في إيابه إذا لم يكن الإياب بنفسه من سفر المعصية ، ولا فرق في ذلك بين من تاب عن معصيته ومن لم يتب.
( مسألة ٤٠۸ ) : إذا سافر سفراً سائغاً ، ثم تبدّل سفره إلى سفر المعصية أتمّ صلاته ما دام عاصياً ، فإن عدل عنه إلى سفر الطاعة قصّر في صلاته سواء كان الباقي مسافة أم لا.
( مسألة ٤٠۹ ) : إذا كانت الغاية من سفره أمرين: أحدهما مباح والآخر حرام أتمّ صلاته ، إلاّ إذا كان الحرام تابعاً وكان الداعي إلى سفره هو الأمر المباح.
( مسألة ٤۱٠ ) : إتمام الصلاة ــ إذا كانت الغاية محرّمة ــ يتوقّف على تنجّز حرمتها، فإن لم تتنجّز أو لم تكن الغاية محرّمة في نفس الأمر لم يجب الإتمام ، مثلاً إذا سافر لغاية شراء دار يعتقد أنها مغصوبة فانكشف ــ أثناء سفره أو بعد الوصول إلى المقصد ــ خلافه كانت وظيفته التقصير ، وكذلك إذا سافر قاصداً شراء دار يعتقد جوازه ثم انكشف أنها مغصوبة ، نعم لا يضرّ بالإتمام عدم تحقّق الغاية المحرّمة صدفة.
(الشرط الخامس) : أن لا يكون سفره للصيد لهواً ، وإلاّ أتمّ صلاته في ذهابه ، وقصّر في إيابه إذا لم يكن كالذهاب للصيد لهواً ، وإذا كان الصيد لقوت نفسه ، أو عياله وجب التقصير ، وكذلك إذا كان الصيد للتجارة.
(الشرط السادس) : أن لا يكون ممن لا مقرّ له كالسائح الذي يرتحل من بلد إلى بلد وليس له مقرّ في أي منها ، ومثله البدو الرحّل ممن يكون بيوتهم معهم ، ولو كانت له حالتان كأن يكون له مقرّ في الشتاء يستقرّ فيه ورحلة في الصيف يطلب فيها العشب والكلأ ، مثلاً كما هو الحال في بعض أهل البوادي كان لكل منهما حكمه ، فيقصّر لو خرج إلى حدّ المسافة في الحالة الأولى ، ويتمّ في الثانية.
(الشرط السابع) : أن لا يكون كثير السفر إما باتخاذ عمل سفري مهنة له كالسائق ، والملاح أو بتكرّر السفر منه خارجاً وإن لم يكن مقدّمة لمهنته ، بل كان له غرض آخر منه كالتنزّه والزيارة ، فالمعيار كثرة السفر ولو تقديراً كما في القسم الأول، ولو سافر السائق أو شبهه في غير عمله وجب عليه التقصير كغيره من المسافرين إلاّ مع تحقّق الكثرة الفعلية في حقّه ، وسيأتي ضابطها.
( مسألة ٤۱۱ ) : الحطاب ، أو الراعي ، أو السائق ، أو نحوهم إذا كان عمله فيما دون المسافة واتفق أنه سافر ولو في عمله يقصّر في صلاته.
( مسألة ٤۱۲ ) : من كان السفر عمله في أكثر أيام السنة أو في بعض فصولها ، كمن يدور في تجارته ، أو يشتغل بالمكاراة ، أو الملاحة أيام الصيف فقط يتمّ صلاته حينما يسافر في عمله ، وأما من كان السفر عمله في فترة قصيرة ــ كثلاثة أسابيع ــ من كل عام وإن زاد على مرة واحدة كمن يؤجر نفسه للنيابة في حج أو زيارةٍ ، أو لخدمة الحجاج أو الزائرين ، أو لإراءتهم الطريق ، أو للسياقة أو الملاحة ، ونحوهما أياماً خاصة فيجب القصر عليهم.
( مسألة ٤۱۳ ) : لا يعتبر تعدّد السفر في من اتّخذ العمل السفري مهنة له ، فمتى ما صدق عليه عنوان السائق أو نحوه وجب عليه الإتمام ، نعم إذا توقّف صدقه على تكرار السفر وجب التقصير قبله ، والظاهر توقّف صدق عنوان السائق مثلاً على العزم على مزاولة مهنة السياقة مرة بعد أُخرى على نحو لا تكون له فترة غير معتادة لمن يتّخذ تلك المهنة عملاً له ، وتختلف الفترة طولاً وقصراً بحسب اختلاف الموارد.
( مسألة ٤۱٤ ) : تتحقّق كثرة السفر في حقّ من يتكرّر منه السفر خارجاً لكونه مقدّمة لمهنته ، أو لغرض آخر إذا كان يسافر في كل شهر ما لا يقلّ عن عشر مرات من عشرة أيام منه ، أو يكون في حال السفر فيما لا يقل عن عشرة أيام من الشهر ولو بسفرين أو ثلاثة ، مع العزم على الاستمرار على هذا المنوال مدة ستة أشهر مثلاً من سنة واحدة ، أو مدة ثلاثة أشهر من سنتين فما زاد ، وأما إذا كان يسافر في كل شهر أربع مرات مثلاً أو يكون مسافراً في سبعة أيام منه فما دون فحكمه القصر ، ولو كان يسافر ثماني مرات في الشهر الواحد ، أو يكون مسافراً في ثمانية أيام منه أو تسعة ــ فالأحوط لزوماً ــ أن يجمع بين القصر والتمام.
( مسألة ٤۱٥ ) : إذا أقام مَنْ عَمَلُهُ السفر في بلده ، أو في غيره عشرة أيام بنية الإقامة لم ينقطع حكم عملية السفر فيتمّ الصلاة بعده حتى في سفره الأول ، ولا يبعد جريان هذا الحكم حتى في المكاري وإن كان الأحوط استحباباً له الجمع بين القصر والإتمام في سفره الأول.
( الشرط الثامن ) : أن يصل إلى حدّ الترخّص ، فلا يجوز التقصير قبله ، وحدّ الترخّص هو المكان الذي يتوارى المسافر بالوصول إليه عن أنظار أهل البلد بسبب ابتعاده عنهم ، وعلامة ذلك غالباً تواريهم عن نظره بحيث لا يراهم ، والعبرة في عين الرائي وصفاء الجو بالمتعارف مع عدم الاستعانة بالآلات المتداولة لمشاهدة الأماكن البعيدة.
( مسألة ٤۱٦ ) : لا يعتبر حدّ الترخّص في الإياب كما يعتبر في الذهاب ، فالمسافر يقصّر في صلاته حتى يدخل بلده ولا عبرة بوصوله إلى حدّ الترخّص وإن كان الأولى رعاية الاحتياط بتأخير الصلاة إلى حين الدخول في البلد ، أو الجمع بين القصر والتمام إذا صلّى بعد الوصول إلى حدّ الترخّص.
( مسألة ٤۱۷ ) : إنما يعتبر حدّ الترخّص ذهاباً فيما إذا كان السفر من بلد المسافر ، وأما إذا كان من المكان الذي أقام فيه عشرة أيام ، أو بقي فيه ثلاثين يوماً متردّداً فالظاهر أنه يقصّر من حين شروعه في السفر ، ولا يعتبر فيه الوصول إلى حدّ الترخّص ولكن رعاية الاحتياط أولى.
( مسألة ٤۱۸ ) : إذا شكّ المسافر في وصوله إلى حدّ الترخّص بنى على عدمه وأتمّ صلاته ، فإذا انكشف بعد ذلك خلافه وكان الوقت باقياً أعادها قصراً ، ولا يجب القضاء لو انكشف بعده وكذلك الحال في مَنْ اعتقد عدم وصوله حدّ الترخّص ثم بَانَ خطؤه.